للتضحية وجوه كثيرة، وهذا ما قام به شاب سعودي هو وجه من وجوه التضحية،
فقد تزوج فتاة بعد أن بترت ساقاها، ضاربا عرض الحائط برأي كل من قال له لا
أمل في نجاتها بعد أن سرت الغرغرينا في جسدها بسبب مرض السكري، لتموت بعد
ثمانية أشهر من الزواج. ولم تقف التضحية عند هذه الصدمة بل وبعد ثلاث
سنوات على وفاتها لا يزال يعيش على ذكراها. ثلاث سنوات لم يغير أي شيء في
منزلهما حتى مكان فرشاة شعرها.
داهم الحب قلب خالد البريء وهو لا
يزال مراهقا حين تعلقت مشاعره بابنة الجيران التي تصغره ببضع سنوات، وعلى
مر الأيام توطدت مشاعر الود بين القلبين الشابين حتى لم يعد أحد من
الجيران وأهل الحي ألا ويعلم بقصة الحب هذه، التي أغضبت أهل الفتاة
واستنكروها بشدة، بل وحاربوا الفتى من اجل القضاء عليها، ولكنه لم ييأس أو
يستسلم، فتقدم لخطبتها مرارا وتكرار بلا كلل، فيما كان يقابل طلبه في كل
مرة بالرفض،وبعد أن تدخل القريب والبعيد من اجل التوسط في هذه المسألة رضخ
أهل الفتاة أخيرا لطلبه، ومرت مراسم التجهيز لهذا الزواج سريعا حيث تمت
الخطبة وتلتها عقد القران.
وفجأة انقلبت الأمور رأسا على عقب وحدث
ما لم يكن في الحسبان، بعد أن اكتشف أهل الفتاة أصابتها بمرض السكري، في
مرحلة متقدمة، مما أضطر الأطباء لبتر أحدى ساقيها، وبعدها بشهرين لم يلتئم
الجرح وانتقلت الغرغرينا للساق الأخرى، فاجبر الأطباء على بتر ساقها
الثانية أنقاذا
لحياتها ، وبذلك أصبحت العروس الشابة الجميلة التي
كانت تنتظر يوم زفافها لحبيبها بفارغ الصبر، مجرد جسد فتاة مقعدة، عندها
طلب أهلها منه
أن يطلقها ويبحث عن عروس أخرى، وكان هذا أيضا رأي
أهله، لكنه رفض طلبهم واستنكر استهتارهم بمشاعرها، وأصر على إتمام الزواج
بعد أن تتعافى، ليتزوجها وهي مقعدة !
بداية.. النهاية
وللتعرف
على المزيد من تفاصيل هذه القصة التقينا خالد وهو شاب في أواخر العشرينات
من عمره، موظف ناجح في أحدى الشركات الأستثمارية هادىء الملامح، لطيف
الطباع، تغلف صوته الرقيق نبرة حزن مثيرة للأهتمام ، بدأ حديثه معنا –على
عكس ماتوقعنا- عن قصته من نهايتها،حيث أختلفت المشاهد وتطورت الأحداث
وأختلطت المشاعر وقال:
لقد عشت مع من ملكت قلبي وملأت علي حياتي في هذا
البيت أجمل أيام عمري، كانت ولا تزال بالنسبة لي الحبيبة، الزوجة،الأم
والصديقة بصدقها ورقتها وحنانها وعذوبتها، وقد يقول البعض عني((مجنون))
كوني حريصا على وجودها حتى اليوم، ولم يخطر في بالي قط أن أتزوج بأخرى
تشاركها
قلبي وحياتي ومستقبلي أيضا، ولهم العذر في ذلك فهم لم يعرفوها
كما عرفتها. من أجل ذلك كله تحديت الصعاب في حبي لها وصدمت الجميع بزواجي
منها ولم أبال فقد كانت تستحق أكثر من ذلك، ولكن بسبب ظروفها الصحية
أختصرنا زفافنا على حفل بسيط في منزل والدي.
شهر العسل
وبعد
أنتهاء حفل زواجنا، طرنا لقضاء شهر العسل في ماليزيا، وساعدنا على الحركة
كرسيها المتحرك، وهناك حرصت على تعويضها ما أفتقدته من أنوثتها، وأشعرتها
بأنها كأي فتاة تمشي على قدمين فكنا نلعب ونسهر كأي زوجين طبيعين، إلا أن
الأمر لم يكن يخلو من بعض الأحراج الذي كنا نواجهه من بعض الفضوليين
لغرابة منظرنا كعروسين، خاصة في الأماكن العامة، فكثير من الأحيان كانت
تخجل من نفسها في طبيعة علاقتها الخاصة بي كزوج، وكنت أتألم لأ لمها وأنا
أحاول إفهامها بأني سعيد بوجودها بقربي وأن مرضها لا يشكل عائقا بالنسبة
لي.
بعد عودتنا من السفر أستقر بنا العيش في شقتنا التي جهزناها مسبقا،
وفضلنا السكن جوار أهلها تحسبا لأي طارىء قد يحدث لها، ومرت الأيام
هادئة
وبسيطة، أذهب كل يوم لجامعتي حيث ما أزال طالبا في سنة التخصص، بينما تهتم
زوجتي بشؤون المنزل وإعداد الطعام على قدر أستطاعتها وتساعدها على الحركة
خادمة وكرسيها المتحرك، ثم تجلس تنتظر عودتي، لقد كانت فتاة مرحة ذكية
ومستمعة جيدة لمشاريعي وأحلامي وأحباطاتي، فخورة جدا بي تشجعني وتتوقع لي
مستقبلا باهرا في مجال تخصصي، حتى أصبح هاجسي في الحياة أن أصل لما تطمح
إليه، وأن لا أخيب آمالها يوما ما، كما كانت رغم المرض تحرص على أرضائي
كرجل، تعرف كيف تتجمل له وتتدلل عليه، وهذا للأسف ما يفقده الكثير من
النساء الكثير من النساء.
بعد مرور عدة أشهر على زواجنا بدأت حالتها
الصحية تزداد سوءا، ولم تعد للعلاج قدرة على التخفيف من حدة انتشار المرض
في جسدها، ولم يبق لي أمل سوى رحمة الله، ومن ثم الحرص على عدم إصابتها
بأي حودث، أما هي فقد أخذت معنوياتها في الأنهيار شيئا فشيا وساءت حالتها
النفسية كثيرا حتى أستسلمت تمتما للمرض.
وفي أحدى الليالي حدثتني عن
القضاء والقدر، والأيمان بالله، وأن غيابها يجب أن لا يؤثر في حياتي
ومستقبلي، لقد كانت هادئة ورقيقة كعادتها لكنها كانت حزينة وترفض أن أقاطع
حديثها وكأنها تودعني، فطمأنتها أنها بخير وأنني سأظل بجوارها وأحتضنها
ونمنا تلك طويلا كأننا لم ننعم بنعمة النوم من قبل، ولكني استيقظت في
الصباح التالي وحيدا بينما ظلت هي نائمة في سكون للأبد، لقد ماتت بعد أن
داهمتها غيبوبة السكر أثناء نومها فغابت عني.
بنت الجيران
وعن تفاصيل القصة من بدايتها يسترجع خالد ذكرياته المليئة بالمشاعر والصرعات، قائلا:
عشنا
وتربينا حتى كبرنا أنا وحبيبتي دائما متلازمين، حيث كانوا جيراننا في نفس
الحي المتواضع، كانت تربط بين عائلتينا علاقة صداقة قوية وكأننا أهل،وكنا
نحن الصبية والفتيات أطفالا نجتمع يوميا لنلهو ونمرح في أزقة الحي، وعندما
كبرنا قليلا وبدات ملامح الرجولة المبكرة تظهرعلى معظمنا، بحكم الدين
والعادات والتقاليد التي لم ندرك معناها حينها، ولكن صورة صديقتي الحميمة
التي طالما لعبت وضحكت معها لم تغب عن مخيلتي لحظة واحدة، وكثيرا ما كنت
أشكو لوالدتي بعقلية الطفل البريء عن اشتياقي لها ورغبتي في العودة للعب
معها، ولكنها كانت دائما تفاجئني بقولها أنني كبرت وأصبحت رجلا كما كبرت
البنت أيضا، ولم نعد أطفالا لنلهو ونلعب، وهكذا أخذت أتحين الفرص كي أراها
أو أتحدث معها كسابق عهدنا، أقف عند باب مدرستها أنتظر خروجها، أتطوع دوما
لإيصال أي شيء تريد أمي ارساله لبيتها، أزورهم دوما لأسلم على أخوتها أو
أسأل عما يحتاجونهم وأقضي بقية يومي أدور حول بيتهم لعلي أحظى برؤيتها.
إني أحبها فعلا هذا ما أدركته بمرور الأيام وازداد اهتمامي بها وشوقي لها،
كما كانت هي الأخرى تبادلني نفس الشعور ولكن لم يكن بيدها أن تفعل أي شيء
العاشق
لم
يمض وقت طويل حتى علم الحي بأسره بقصتنا، وأخذ البعض يتغامزون بسخرية علي
فيرثون لحال العاشق الولهان الذي سيقتله الفراق، حتى وصلت هذه الأحاديث
لمسامع أهلها فثار أهلها وأخوتها على هذا الوضع وشكوا لوالدي أفعالي
متهمينني بالاساءة اليهم، كما منعوها من الخروج للمدرسة لفترة طويلة،
وهكذا حرمت حتى من محاولة رؤيتها ، ولطالما أنبني أهلي على ذلك، ولكني لم
أستطع نسيانها أو مجرد التفكير في الأبتعاد عنها ، وكنت متأكدا من أنها
تعاني مثلي فساءت صحتي كثيرا، وأصبحت هزيلا خائر القوى شارد الذهن على
الدوام، كما أهملت دراستي ولم أعد
أخرج للقاء أصدقائي أو أهتم
باحتياجات أسرتي، ولما طال بي الوقت على هذه الحالة أشفقت علي والدتي،
واقترحت علي أن نتقدم لخطبة حبيبتي،
حينها فقط دبت الحياة في جسدي من
جديد وعاد الأمل في لقائها يتجدد بداخلي، وبالفعل تقدمت لأسرتها أطلب
الزواج منها ولكنهم صدموني برفضهم هذا الزواج، فعلى حد قولهم كيف يزوجون
ابنتهم يشاب مستهتر مثلي لا يراعي حرمات الجار ولا يخجل من ملاحقة ابنتهم
في كل مكان؟ بل هددوا بضربي لو تعرضت لهم ثانية أو حاولت الاتصال بها، ومع
ذلك لم أيأس أبدا وعدت لتكرار طلبي مرارا كما توسط لي عندهم العديد من
كبار العائلة والأصدقاء حتى جاءت الموافقة وعقدنا القران، وكدت أجن من فرط
سعادتي، فها أنا سأجتمع أخيرا بحبيبة العمر.
في المستشفى
وفي أحد الأيام فوجئت بشقيق خطيبتي يخبرني بأنها مريضة وقد أغمى عليها وتم نقلها للمستشفى،عندها جن جنوني وطرت مسرعا للمستشفى،
وقد شل تفكيري وكاد قلبي يتوقف عن النبض، وعندما وصلت منعوني من رؤيتها بزعم أن حالتها لا تسمح بذالك، فأخذت أسأل الجميع عما أصابها،
ولكني لم أحصل على جواب شاف، وتكررت زيارتي للمستشفى عدة أيام على أمل السماح لي برؤيتها ، حتى فوجئت بوالدها يخبرني بعدم أمكانية
رؤية
خطيبتي ويجب أن أصرف النظر عن مسألة ارتباطنا لأنها لم تعد قادرة على
الزواج، لم أقتنع بهذا الكلام، وثرت عليهم جميعا مطالبا بحقب في رؤية
عروسي مهما كان الأمر، فدخلت لرؤيتها وتألمت كثيرا للحالة التي كانت عليها
من الوهن والألم، وازداد حزني وقلقي عليها عندما أخذت
تتحاشى النظر الي، ووجدتها تردد على مسمعي ما طلبه والدها مني قبل قليل، فطار عقلي من حديثها، وامتلأت عيناي بدموع وأخذت أهذي بكلام
لا أعيه.
خرجت
بعدها مسرعا لحجرة الطبيب المعالج علني أسمع منه ما عجز الجميع((حتى
حبيبتي)) عن قوله لي، فأخبرني بالحقيقة المرة وهي أن زوجتي مصابة بسكري
لدرجة متقدمة لم ينتبه لها أحد، وأنهم أضطروا لقطع ساقها التي تلفت من
مضاعفات المرض، بينما بدأت الساق الأخرى تعاني أيضا
وقد تلقى نفس
المصير، وأنها قد لا تتمكن من الزواج ليس فقط لحالتها الصحية التي تحتاج
لعناية فائقة، وانما أيضا لحالتها النفسية التي قد
لا تتكيف بسهولة
مع واقع المرض، ورغم كل ما قيل وما حاول الجميع اقناعي به للتخلي من
حبيبتي، إلا أنني لم أهتم وزاد اصراري على التمسك بها، فأنا لم أحب فيها
الجسد لكي أتركها عندما أعتل، وأمام أصراري على اتمام الزواج بعد خروج
حبيبتي من المستشفى، رضخ الجميع بمن فيهم هي لرغبتي بعد أن وصفوني بالجنون
لتمسكي بها.
وعشت معها ثمانية أشهر قضينا أياما كثيرة منها في التردد
على المستشفى، ولكن كانت مشيئة الله قبل ثلاث سنوات بأن تصاب بغيبوبة سكر
كانت
القاضية، حيث توفيت على سريرها أثر نوبة السكر لم تمهلها لتودعني، فاستيقظت صب لاجدها جثة هامدة بعد أن فاضت روحها للخالق عز وجل
لذا
قررت أن أبقي منزلي وأغراضها كما هي تخليدا لذكراها، فبالرغم من مرور ثلاث
سنوات على وفاتها إلا أنني أشعر بأنها معي، فقد منعت أهلي من تغير أي شيء
في المنزل كي أراها في كل مكان، وكم تمنيت أن تنجب لي طفلة تكون امتدادا
لها، ولكن قدرها سبق أرادتي....