دماء الشجعان ثمن الحرية

راقبنا الثورتين الشعبيتين الأوليين الواحدة تلو الأخرى (تونس ومصر)، حيث كانت الثورة الواحدة محصورة في بلد واحد فحسب، أتابعها ونتابعها، أعيش معها في كليتها، أترقبها لحظة بعد لحظة، متنقلة بها أو معها من فضائية الى أخرى لأحصل على أكبر قسط من المعلومات المشجعة آملة في إنهيار كل الأنظمة المستبدة، وكانت الفرحة عارمة وأنا أرى بأم العين كيف أن إرادة الشعب برهنت على أنها أقوى من أكبر دبابة في العالم· كنت إذاً مع تونس، وما إن انتهت <المهمة الصعبة> فيها، حتى انتقلت الى مصر وعايشت الثورة العظيمة زهاء الثلاثة أسابيع، فرحت بشجاعة الشعب المصري، وبعدها، ظننتُ اني سأتابع أحداث اليمن على حدة وكانت بدأت تتأجج منذ فترة، إلا أني فوجئت وفوجئنا بكثرة الثورات المتلاحقة في أكثر من بلد في آن! فإذا كانت الشاشات كلها تركز على بلد واحد فحسب في البداية، فاليوم وبعد مصر، أخذت الشاشة الواحدة تقسّم روبورتاجاتها بين البلدان العديدة (أي اليمن، ليبيا، البحرين، إيران والمغرب قليلاً والجزائر)، والحبل على الجرار·
وظننت أن كل هذه الثورات المتزامنة مع بعضها ستكون على الوتيرة ذاتها، ولو ربما بدرجات متفاوتة بعض الشيء، حسب الساحة والميدان، لكن الصدمة الكبرى أتت عندما اختطفت أحداث ليبيا أهمية كل بقية التمردات التي أضحت صغيرة أمام ما يحدث من هول وويلات في مدنها (ليبيا)· الصدمة هائلة إزاء هذه المجازر التي تفوق اي تصور، ويتساءل المرء كيف يمكن عقل بشري أن يحمّل ضميره كل هذا الدم المسفوك والجثث المترامية على الطرقات· أي نظام في العالم يستطيع ان يستوعب هذه الوحشية؟ أي جنون هو هذا الذي يستبد بأناس مسالمين جلّ ما طالبوا به، بضع حرية لائقة بإنسان القرن الحادي والعشرين· أي خطيئة هذه التي ارتكبها شعب مغلوب على أمره منذ أربعة عقود، أي خطيئة اقترفها لكي ينال كل هذا العقاب المضاف إلى عقاب الديكتاتويرية المزمنة؟ عقاب القصف بالدبابات والطائرات ضد أجساد عارية وعزلاء· أين الضمير وأين حق الإنسان في الحرية والحياة؟

مع انتفاضة الشعب الليبي العظيم، هذا الشعب الأعزل والشجاع جداً، وبعد أكثر من أسبوع على تمرده، أتساءل لماذا ثمن الحرية يكون أحياناً إلى هذه الدرجة باهظاً؟! لماذا لا تستطيع الشعوب في بعض الأحيان ان تبلغ مستوى الحرية والكرامة الإنسانية سوى بعد سيل الدماء الكثيرة؟! واليوم، ورغم فرحتي بهذه الشجاعة الليبية، أضحت الشاشة مؤلمة جداً بسبب المشاهد المخزية والمعيبة بما تنطوي عليه من الوحشية المستبدة، لكن لا بد أن يستجيب القدر! لا بد أن تنجح الثورات هذه لأنها نابعة من وجع الشعب ومن إرادته في مواجهة الطغيان· الثورة التي تنجح هي الثورة التي تريد بشكل أساسي الحياة بحرية وكرامة·

سلمت يداك عزت

الحرية غالية الثمن نعم