لم يعشق المصريون يوما أي زعيم من خارج مصر كما عشقوا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله فقد أحسوا منذ توليه قيادة دولة الامارات العربية في بدايات السبعينيات من القرن الماضي أنه واحد منهم نظرا لمكرماته الكبيرة التي لم يتردد يوما في تقديمها لشعب مصر.
لذلك لم يكن غريبا أن تسود مصر حالة من الحزن منذ الاعلان عن رحيله الذي كان مثار حديث الناس في بيوتهم والتجمعات الرمضانية وحتى في وسائل المواصلات العامة ولم يكن في هذا مبالغة، فرجل الشارع في مصر كان يتعامل مع شخص زايد كلما ذكر اسمه وكأنه واحد من أبناء مصر الأوفياء لذلك كان رجل الشارع المصري صادقا حينما عبر بكل بساطة عن وفاة الفقيد بأن مصر فقدت واحداً من أهم وأوفى المخلصين لها عبر التاريخ الحديث.
المصريون لم ينسوا يوما ما قدمه المغفور له الشيخ زايد لمصر فكرموه في حياته خير تكريم حيث أطلقوا اسمه على العديد من المشروعات العظيمة بدأت بحي الشيخ زايد في مدينة الاسماعيلية وهو ضاحية رائعة الجمال بناها لتوطين أبناء الاسماعيلية الذين فروا من المدينة خلال فترة الحرب من 1967 وحتى عام 1973 كما أطلقوا اسمه على محطة القطار التي تقع في نفس المنطقة وهي لا تبعد أكثر من 3 آلاف متر عن مدينة الاسماعيلية.
في عام 1991 قام بتحويل القرض المقدم من صندوق أبوظبي للانماء الاقتصادي الى منحة لا ترد تستخدم في تنفيذ مشروعين من مشروعات التنمية الدائمة في مصر وهما مشروع امتداد ترعة الحمام بالساحل الشمالي ومشروع استصلاح وزراعة 40 ألف فدان شرق قناة السويس في سيناء.
ولم يعرف كرم وعطاء المغفور له الشيخ زايد لمصر وللمصريين أي حدود لذلك بادلوه حبا بحب حيث قام بعد ذلك بتخصيص 200 مليون دولار لتنفيذ مشروعات تنموية رائدة منها استصلاح وزراعة حوالي 300 ألف فدان في مناطق النوبارية والبستان والساحل الشمالي ساهمت في توفير الآلاف من فرص العمل حيث تم استخدام هذا المبلغ الكبير في شراء معدات استصلاح أراض ومعدات ري متطورة ومستلزمات شبكة الكهرباء والمحولات اللازمة لتشغيل المشروع.
وزيادة في التكريم أطلقت مصر اسم المغفور له الشيخ زايد على مدينة سكنية كاملة من المدن الجديدة التي تم تشييدها مؤخرا وهي مدينة الشيخ زايد التي تعد ضاحية لحي المهندسين ومدخلا لمدينة السادس من أكتوبر.
ويقول الدكتور محمد ابراهيم سليمان وزير الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة إن مدينة الشيخ زايد تبلغ مساحتها الاجمالية 40 كيلو متراً مربعاً وتستوعب بعد اكتمالها انشائيا حوالي 450 ألف نسمة ويبلغ اجمالي عدد الوحدات السكنية في المدينة حاليا حوالي 25 ألف و438 وحدة سكنية منها 9 آلاف و938 وحدة سكنية مملوكة لوزارة الاسكان و15 ألفاً و500 وحدة سكنية مملوكة للأفراد وللشركات والجمعيات.
وأكد وزير الاسكان أنه تم حتى الآن استثمار حوالي 80 مليون جنيه للتجهيز منها حوالي 5,28 مليوناً بالبنية الأساسية حيث تم تنفيذ محطة تنقيه مياه وخزانات مياه وشبكة للصرف الصحي، وأشار الى أن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان قدم منحة قدرها 200 مليون دولار مساهمة منه في تمويل بعض المشروعات بالمدينة.
ولإيمانه الشديد بأن مصر هبة النيل واقتناعه بضرورة تحويل الصحارى الجرداء الى مزارع خضراء وبساتين فيحاء لم يدخر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان جهدا في تقديم الدعم المالي الذي يحتاج اليه قطاع الزراعة والري حيث قدم مساهمات عظيمة لتنفيذ مشروع ترعة الشيخ زايد في منطقة توشكى بطول 8,50 كم حيث بلغت قيمة الاعمال المنفذة فيها خلال العام الماضي فقط حوالي 725 مليون جنيه لتصل بذلك الاستثمارات الاجمالية الموجهة الى هذا المشروع 4 مليارات و104 ملايين جنيه.
وزيادة في تكريم المغفور له الشيخ زايد أطلقت مصر اسمه على الترعة التي يجري تنفيذها حاليا ضمن مشروع توشكى العملاق الذي تعلق عليه مصر آمالاً عريضة في احداث نقلة نوعية للسكان من قلب الوادي الضيق الى أماكن زراعية وتجمعات عمرانية جديدة حيث انتهت وزارة الاسكان من تنفيذ المخطط العمراني لمدينة توشكى الجديدة التي يمكن أن تستوعب 250 ألف شخص وتضم منطقة صناعية سيقام بها عدد من المصانع لتصنيع المنتجات الزراعية التي ستنتجها أرض توشكى.
كما قامت مصر بتخصيص 120 ألف فدان على جانبي أحد فروع ترعة الشيخ زايد الأربعة لصندوق أبوظبي للانماء الاقتصادي في حين تم تخصيص 120 ألف فدان أخرى للأمير الوليد بن طلال و120 ألف فدان للشركات ومثلها على الفرع الرابع للشباب الخريجين والمستثمرين المصريين.
وفي تعليقه على مساهمات المغفور له الشيخ زايد في مشروع توشكى قال المهندس محمد عبد الحليم رئيس النقابة العامة للعاملين بالزراعة والري والثروة المائية ان المغفور له الشيخ زايد شخصية من النادر أن يجود الزمان بمثلها مرة أخرى حيث عرف عنه مواقفه الجريئة تجاه مصر وشعبها منذ توليه قيادة دولة الامارات العربية المتحدة.
وأكد المهندس محمد عبد الحليم أن مساهمات المغفور له الشيخ زايد الكبيرة تعد من الاسباب الرئيسية لقطع شوط كبير من الانجازات في مشروع توشكى العملاق حيث تم حتى الآن انهاء جزء كبير من أعمال محطة الرفع الرئيسية العملاقة وحفر وتبطين وت**ية أرضية وجوانب ترعة الشيخ زايد لمنع تسرب المياه في الرمال.
وأضاف عبد الحليم أن النقابة كانت تخطط لاقامة مركز تدريب نموذجي لعمال الزراعة في توشكى حول ترعة الشيخ زايد اعتمادا على مساهمة كريمة منه الا أن القدر لم يمهله لاستكمال تنفيذ هذا المشروع الرائد الذي سيساهم في توفير العمالة المدربة والمؤهلة اللازمة للزراعة في توشكى.
ولم يتوقف حب المغفور له الشيخ زايد لمصر على مساهماته المالية الكبيرة في مشروعات التنمية بل فتح أبواب الامارات أمام الشركات والعمالة المصرية حيث حصلت احدى الشركات المصرية على عقد لتنفيذ مشروع مد أنابيب المياه من محطة الطويلة في مدينة العين بتكلفة اجمالية بلغت مليار جنيه.
كما حصلت شركة المقاولون العرب وهي من كبريات شركات المقاولات المصرية على العديد من العقود لتنفيذ مشروعات في دولة الامارات وبلغ حجم أعمالها خلال العام الأخير في امارة أبوظبي فقط حوالي 700 مليون درهم وهو ما يعادل 2,1 مليار جنيه مصري وقامت الشركة بتنفيذ مشروع تطوير كورنيش ميناء المصفح بتكلفة 47 مليون درهم.
أما بالنسبة لتواجد العمالة المصرية في الامارات فيؤكد أحمد العماوي وزير القوى العاملة والهجرة أن حجم العمالة المصرية بلغ حوالي 95 ألف عامل كانت تحظى برعاية كريمة من المغفور له الشيخ زايد رحمه الله حيث كان حريصا على فتح أبواب المؤسسات والشركات الحكومية والخاصة على مصراعيها أمام العمالة المصرية، مشيرا الى أن هذه العمالة لم تتعرض طوال فترة تواجدها بالسوق الاماراتي لأي مشاكل معقدة كما يحدث في بعض أسواق العمل العربية بين الحين والآخر.
ويشير وزير القوى العاملة والهجرة الى أن العمالة المصرية في السوق الاماراتي تتوزع على مهن الأطباء والمهندسين والصيادلة والمدرسين وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات ورجال القضاء ومبرمجي الكمبيوتر والمعينين في مجالات التبريد والتكييف والسائقين وعمال الخدمات والامن والحراسة والاعلاميين مؤكدا أن سوق العمل الاماراتي مازال يطلب العمالة المصرية نظرا لأن المغفور له الشيخ زايد كان حريصا على أن تكون الأولوية في سوق العمل الاماراتي للعمالة العربية قبل العمالة الآسيوية.
وبلغ حجم الاستثمارات الاماراتية المباشرة في مصر ما يزيد على ملياري درهم أي حوالي 4,3 مليارات جنيه وتتوزع هذه الاستثمارات على أكثر من 100 مشروع في مجالات الزراعة والانشاءات والعقارات في حين بلغت قيمة الاستثمارات غير المباشرة حوالي مليار درهم مما جعل الامارات تحتل المرتبة الثالثة عربيا من حيث حجم الاستثمارات في مصر بعد السعودية والكويت.
وحصلت مصر على قروض من صندوق أبوظبي للتنمية بلغت حتى العام الماضي 5,3 مليارات درهم وهو ما يعادل حوالي مليار دولار تقريبا، وتم استخدام هذه الاموال في تنفيذ بعض المشروعات منها مستشفى الشيخ زايد بطاقة 200 سرير بجانب مشروع ضخ وتنقية المياه وتوصيل المياه الى سيناء والساحل الشمالي بخلاف 367 مليون درهم لاستكمال المرحلة الثالثة من مشروع ترعة الشيخ زايد في توشكى.
وتقدم مصر تسهيلات كبيرة للمستثمرين الاماراتيين بهدف جذب المزيد من الاستثمارات الاماراتية الى مصر حيث يتم معاملة هؤلاء المستثمرين نفس معاملة المصريين من حيث حرية التملك والتسجيل في الشهر العقاري بجانب تأسيس مجلس رجال أعمال مصري اماراتي مشترك بين اتحاد غرف التجارة والصناعة بالامارات والاتحاد العام للغرف التجارية بمصر .
وتأسيس جمعية لرجال الاعمال المصريين في الامارات كما تم ابرام اتفاق للتبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين البلدين واتفاق آخر للتعاون الفني والتقني في المجال الزراعي بالاضافة الى اتفاقيتين احداهما لتجنب الازدواج الضريبي والثانية لتشجيع وحماية الاستثمارات.