مَقال ساخر
على خلفية ما يحْصل في غزة
الطفْل المعجزة الذي يرقد فوْق صدور العمالقة
بقلم: محْمودٌ أبو فروة الرجبي
حِينما عاد الصبي الطويل والضخم جداً إلى أمه، وشكا لها ان هناك طفْلاً صغيراً في المدْرسة ضربه، ومرغ بانفه الأرض، بل وقلبه رأساً على عقب، وأخذ كل ما في محفظته من نقود، لم تصدق الأم وأسرعت
إلى المدْرسة لتكتشف هناك أكثر من عشرين أما جئن ليشكون الولد نفسه، وحِينما طُلب ذلك الولد للحضور إلى غُرفة المدير اكتشف الجميع انه مجرد طفْل صغير، نحيف، مرتجف اليدين، يخاف حتى من خياله، فراح الجميع يتساءلون عن السر في قوته التي جعلت الأطفال الأكبر منه ينحنون أمامه خَوفاً، بل انهم يهربون منه، وإذا فتح فمه ليصرخ بواحد منهم، ارتموا جميعاً أرضاً وراحُوا يفعلونها على أنفسهم من الخوف، وإذا حصَل ورفع ذلك الطفْل الغريب يده في وجه خَمسة من الأطفال مجتمعين لم يجرؤا حتى على الهرب من أمامه، بل راحُوا يعتذرون منه، لأنه غضب منهم، ويتأسفون له لأن أشكالهم لم تعجبه, فيقدموا له عرائض الاعتذار لأن الشمس في ذلك اليوْم سطعت بقوة أكبر أثرت على إحساسه المرهف، ولأنه كان يجب عليهم ان يرموا بأنفسهم عليه لحمايته من إرهابها.
للآن لم يستطع أحد ان يجد إجابة منطقية عن التناقضات التي حصلت في تلك المدْرسة .. ولم يجد أحد الجهلاء في عالم تحليل نفسيات الأطفال سوى تفسير واحد لما حصَل: وهو ان هذه الرواية كاذبة، ولا يمكِنُ ان تحصل في الواقِع أبداً، فهل يُمْكِنُ لطفل مرعوب ان يرعب الآخرين؟
وفي الاتجاه الآخر.. ولتقريب الصورة أكثر إلى الأذهان، ولاقنعكم ان ذلك الطفْل تمكن فعلا من قهر أطفال المدْرسة الآخرين، بل وجعلهم يفقدون الوعي لمجرد انهم فكروا انهم قدْ يفعلون شيئاً يزعجه بعد أربعة آلاف وخمسمائة سنة إليكم ما يحْصل في عالمنا العربي، وقارنوا.
الكيان الصهيوني.. دويلة هزيلة.. لا تمتلك مقومات الدوْلة.. لديها جيش جبان، ثمانية اسداسه، أوْ عشرة اتساعه، أوْ سبعة ارباعه من الشاذين جنسيا، ومع ذلك فإليكم ما تفعله بعض الدُّول العربية معه. ( استعملت كلمة بعض هنا حتى لا أقع تحْت طائلة القانُون).
دولة هملستان.. دولة عربية كبيرة يولد فيها سنوياً عدد من الأطفال يساوي نصف سكان الكيان الصهيوني لا يجرؤ مسؤولها الكبير على رفع السماعة والطلب من رئيس وزراء الكيان المغتصب ان يوقف العدوان، وبدلاً من ان يسكت ويريح ويستريح يهاجم الضحية ويقول لها: ما كان يجب ان ترفعي رأسك وتكشري في وجه الجزار وهو يريد ذبحك، فهذا تصرف طائش غير محسوب النتائج، يدل على مراهقة سياسة، وعدم معرفة بقوانين السُّوق.
ودولة أخْرى اسمها (جهلستان) كريمة جداً في التبرع لحدائق الحيوانات، والمنكوبين الشقر والبيض من الدُّول الغربية، وهي على استعداد لإرسال طائرة خاصة لإحضار راقصة تعرضت لشعر في ركبتها لعلاجها، واستنفار كل إمكانيات الدوْلة في هذا العمل الإنساني الرائِع الذي لا يصدر الا عن صاحب كرش مرهف، ومروءة قومية نادرة الوجود، تلك الدوْلة لا تفكر حتى بإرسال مساعدات تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع.
ودويلة أخْرى لا اسم لها تنفق مليارات الدولارات سنوياً على شراء أسلحة متطورة جداً، وطائرات حربية مرعِبة، مزودة بمرايا عاكسة، تبخ الماء في حالة سقط عَلَيْهَا مطر، ودبابات تحتوي على مقاعد يمكِنُ ان تفتح لتصبح أسرة ينام فيها الجنود أثناء المعارك التي لن تحصل أبداً، ومضادات طائرات يمكِنُ ان تصطاد العصافير التي لم تقو على الطيران بعد، تِلْكَ الدويلة تعتقل أي شخْص يفكِّر حتى بالتعبير عن حزنه لما يحْصل، بل وتصدر فتاوى تعتبر فيه ان مجرد الدعاء لأهل فلسطين فيه الهاء للعامة عن شؤون حياتهم، وان الجهاد رجس من عمل الشيطان.
ودولة أخْرى وأخْرى وأخْرى..
لن أكمل القائمة.. لكِن.. إلى متى سيبقى ذلك الطفْل النحيل الذي يخاف حتى من حفيف أوراق الأشجار رابضا على صدور الأطفال الأكبر منه، ومتى سيتوقف أولئك الأطفال عن التبول كلما رفع ذلك الطفْل المرتعب عينيه نحوهم. وهل يصدق أحد الرواية التي ذكرتها في بداية مقالي.
مجرد تساؤل.. وعُذراً يا غزة!