المملكة العربية السعودية صحراء حارة جافة، ومترامية الأطراف، والمسافات البينية بين المدن والمحافظات والبلدات شاسعة وممتدة، تفصل بينها المفازات المهلكة، والصحاريالمخيفة، والقفاري التي تترصد بالعابرين موتاً وهلاكاً، خاصة في فصل الصيف الحارق.
:. ومن وقتٍ لآخر نُفجع بأخبار محزنة، وقصص مبكية، وصور مؤلمة، عن ضحايا التيه في الصحراء، والضياع في البيداء، وعند الاستقراء نجد أن تلك الحوادث متكررة ومتنوعة، ولكن! السيناريو يكاد يكون واحداً لجميع القصص .. الموت عطشاً وجوعاً، وربما رعباً.
:. وفي معظم الحالات قد يجني المسافر على نفسه، فالقصور في أخذ احتياطات الأمن والسلامة والصحة، يكاد يكون شبه معدوم، وبعض الناس بسبب جهله، أو حمقه يعْتد بقدراته، وخبراته، وإمكاناته في قطع الصحاري والفيافي دونما الأخذ بالاحتياطات المرعية والواجبة شرعاً وعقلاً {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وقد يكون معه عائلته فتكون المصيبة هنا أعظم والمصاب جلل، وحتى سكان البادية المتمرسون في مغازلة الصحراء قد تغدر بهم البيداء، بحبالها وشر شراكها والله المستعان.
:. وكما هو الحال في معظم المناطق الصحراوية العالمية كذلك توجد في السعودية جواد صحراوية مختصرة (Short cut)، تربط بين المحافظات والبلدات يستخدمها أحياناً الحاضرة والبادية على حد سواء، عوضاً عن الطرق المعبدة، والتي قد تكون أطول وأبعد من الجواد الصحراوية المختصرة، وقصر المسافة هنا تغري المسافر في سلوكها، بغض النظر عن النتائج والعواقب... وليس كل مرة تسلم الجرة.
:. لذا أهيب بمن يسلك الطرق الصحراوية الطويلة والنائية أن يعد العدة لمفاجآت الطريق، ولأي طارئ، كالاستزادة بالماء والطعام، وأجهزة الملاحة، والهاتف الفضائي (الثريا)، وتفحص السيارة، ووقود احتياطي، وشنطة إسعافات أولية، ومستلزمات الرحلات البرية المعروفة، وإخبار قريب أو صديق عن رحتلك ومسارك، وحَمْلُ خريطة، والسؤال عن الطريق، واستطلاع المنطقة عبر برنامج قوقل إيرث ما أمكن، أو الخرائط لمعرفة جغرافيتها وما حولها من معالم طبيعية أو بشرية، وأخيراً أن يصطحب معه صاحب، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن سفر الإنسان بمفرده (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ)، وهذا يتأكد في السفر على الطرق البرية أكثر من المعبدة ... ومن نظر في العواقب أمِن المصائب.
:. فإن ابتلاك الله بامتحان صبرك وإيمانك وتهت، أو تعطلت سيارتك في وسط الصحراء لأي سبب كان، فماذا تفعل؟ ... في الواقع عندما يتيه الإنسان أو تتعطل سيارته في صحراء واسعة كالربع الخالي أو النفود الكبير على سبيل المثال، فإنه للوهلة الأولى تتسارع نبضات قلبه، وتتقاطع الأفكار المشوشة في ذهنه، ويبدأ يجف ريقه، ويفقد تركيزه، كل هذه التغيرات الفسيولوجية تحدث تبعاً، مشكلة عبئاً ثقيلاً على طاقة جسمه وحيويته، حيث يفقدها بشكل سريع، وهذا يساهم سلباً في التركيز لإيجاد الحلول وبالتالي في فرص النجاة، والبقاء على قيد الحياة لمدة أطول في متاهة الصحراء.
:. لذا فمن وقع ـ لا قدر الله ـ في متاهة صحراوية، وتوقفت سيارته لأي سبب، فننصحه بما يلي والله المستعان:
:. عليك أولاً الاستعانة بالله، واللجوء إليه، فهو خير معين وحافظ ... وذلك بقراءة أدعية تتناسب والظروف الحالية وتكرارها واليقين بالاستجابة نحو (لا إِلَه إِلاَّ اللَّه العظِيمُ الحلِيمُ، لا إِله إِلاَّ اللَّه رَبُّ العَرْشِ العظِيمِ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه رَبُّ السمَواتِ، وربُّ الأَرْض، ورَبُّ العرشِ الكريمِ)، وأيضاً دعاء يونس عليه السلام في بطن الحوت:{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَالظَّالِمِينَ}.
:. ثم اسأل الله بأفضل أعمالك (قصة أصحاب الغار) وألح عليه بالدعاء، وإذا كان لدى أحد من أقربائك أو أصدقائك خبر أنك في الصحراء أو الجادة الفلانية، وليس لديك أجهزة ملاحةأو خرائط، ولا تعرف الاتجاهات الجغرافية، ولا تقدر المسافات البينية، ولا تبخص الأرض وفجاجها، ولا تخبر سبلها ... فننصحك بالتالي:
1. ننصحك ألا تبرح سيارتك، ووفر زادك وطاقتك لما هو آت.
2. حاول الهدوء، واعلم أن الله رحيم بعباده، وإلا فقد يقتلك الرعب قبل العطش والجوع.
3. إذا كان الماء لديك قليلاً لا تستخدمه إلا عند الحاجة القصوى.
4. من أول يوم اجمع كل ما يدب في الأرض من حشرات وهوام، فضلاً عن الزواحف، فإن احتجت لها اشوها سريعاً، أو كلها مباشرة فقد تُطيل بعمرك حتى تصلك النجدة.
5. لا تتعرض للشمس، لا تتعرض للشمس، لا تتعرض للشمس (ثلاثاً)، ولا للرياح حتى لا ينشف عرقك.
6. حاول تغطية كل جسمك نهاراً، وتلثم حتى لا يتبخر العرق وتفقد الماء من جسمك عبر آلية التعرق.
7. تنفس من أنفك، وأبق فمك مغلقاً حفاظاً على رطوبة جسمك.
8. اعمل بحيل بعض الزواحف ولا تتحرك إلا ليلاً وذلك للحاجة.
9. إذا كان لديك ماء كاف دون طعام، فلا تقلق فقد تعيش بضعة أيام دون طعام، وقد يكون في ذلك فرصة لنجاتك بإذن الله.
10.في السيارة ماء صالح تجده في قربة المساحات، وآخر غير صالح تجده في الراديتر، وعند الحاجة إليه قم بتصفيته وذلك عبر شماغك أو ببعض ملابسك الداخلية (فنيلتك مثلاً) وليخالطها تراب مع طين لترشيح الشوائب والعوالق.
11.في أول نهار قم بكسر المرايا من السيارة لتكون SIGNAL MIRROR، ثم أرسل إشارات متقطعة وسريعة للطائرات المحلقة فوقك، فهي تراك بوضوح عبر عكس أشعة الشمس، مع مراعاة أن تكون الإشارة متقطعة وسريعة حتى لا تؤذي الطيار.
12.إذا كان حولك أحجار، اكتب بخط يُرى من الطائرة SOS (Save Our Soul احفظ أرواحنا)، أو خطها بالرمل بشكل عميق بعرض 1 م، وطول 6 م وبين الحرف والآخر 3م ما أمكن.
13.في شدة الحر إن لم تجد ظلاً، قم بحفر حفرة بطولك وعرضك تحت السيارة وامتد فيها، أو اعمل مأوى لك بما لديك من أدوات.
14.(عادة) النجدة تبدأ بالبحث عنك بعد يوم أو يومين من فقدانك.
15.عندما تدرك أن البحث قد بدأ عنك، قم بإشعال الإطار الخامس (الاحتياطي) نهاراً، وذلك بعد تفريغ الهواء منعاً للانفجار، فأعمدة الدخان الأسود تصعد إلى أعلى، وتشاهد من مسافة بعيدة جداً، بل وإذا صادفت مرور أقمار صناعية فوق المكان تستطيع أن تأخذ للدخان صورة واضحة (بعض الأقمار متخصصة بتصوير سطح الأرض باستمرار).
16.ثم أشعل الإطار الثاني والثالث وهكذا خلال فترة نهارين.
17.إن لم يرك أحد، وبعد انتهاء الإطارات الخمس، أشعل السيارة نفسها في نهار، فستترك دخاناً أسوداً كثيفاً ومميزاً قد يلفت الانتباه (وعليه أصبح لديك ستة تنبيهات دُخانية، استخدم كل نهار واحدة أو اثنتين).
18.بعض أغصان وأوراق الشجر قد تعطيك رطوبة في فمك، واحذر من بعضها فهو سام كمن له عصارة لبنية كنبات العشر على سبيل المثال.
19.اكتب وصيتك واحفظها في جيبك.
20.وحشة الليل والظلام تزول في الليلة الثانية فالثالثة تدريجياً.
21.اصنع راداراً بنفسك لسماع الأصوات من بعيد، فإذا كان لديك صحن، أو قم بصنع صحن (دش) من أي جزء من السيارة واثقبه من الوسط وسلطه على الجهة المستهدفة وذلك في مكان بارز، وضع أذنك في الثقب الأوسط في قعر الدش، وتصنت على مسافات بعيدة.
22.اجمع بولك من أول يوم، ولتقليل ملوحته اخلطه مع ماء الرديتر المصفى وذلك في حالة الرمق الأخير لا قدر الله (وينصح بعدم شرب ماء الرديتر إذا خالطته مواد كيميائية).
23.في اليوم الثاني قد يتغير لون بولك ويكون داكناً بسب قلة شرب الماء.
24.إذا كنتم مجموعة ليذهب القوي منكم لطلب النجدة، في حالة (فقط) ترجح لديكم الاتجاه الصحيح، وإمكانية قطع المسافة، وكفاءة الزاد، وإلا فلا تبرحوا مكانكم فذلك أسلم وأحكم والله أعلم. (قد يقول قائل: لماذا تنصحه بالبقاء في سيارته وقد يكون بينه وبين مورد ماء من مزرعة أو راعي أو مضارب بادية مسيرة ساعة أو نحوها؟ قلت: هذا افتراض قائم وماثل، وطالما التائه لم يترجح عنده وجود أحد بالقرب منه، فالأفضل البقاء عند سيارته، حفظاً على طاقته وزاده، حتى تأتيه النجدة، فلربما كانت فرص النجاة أكبر بمشيئة الله، بينما لو سار تائهاً ومترنحاً ومنّجِماً في الصحراء قد تنقطع به السبل، ويهلك قبل مجيء النجدة، وبعض القصص الواقعية تُثبت أن من مكث عند سيارته وصلته النجدة، ومن فارقها فارق الحياة والله أعلم).
25.إن رغبت ترك مكان سيارتك، والسير للبحث عن النجاة والنجدة صل صلاة الاستخارة، فإن ترجح عندك مغادرة المكان اترك علامة تشير إلى اتجاهك الجغرافي، وسجل وقت انطلاقك، وصف زادك الذي معك، ومن معك، وأي معلومة مفيدة، واتركها في مكان بارز في السيارة.
26.في حالة رؤيتك آثار ماشية أو إبل فاتبعها فالماء والنجدة هناك.
27.آثار سيارتك المتعطلة قد تقودك لبر الأمان في حالة بقائها مطبوعة بالأرض، ومعرفة مورد قد مررت عليه وتستطيع الوصول إليه مشياً.
28.اجعل مشيك معتدلاً ولا تجرِ، وإن اضطررت المشي في النهار غطِّ كل جسمك عدا عينيك (وننصحك بعدم المشي نهاراً وقت الصيف).
29.حدد هدفاً بارزاً في الأفق وسر نحوه باستقامة ما أمكن، حتى لا تترنح في السير وتخسر وقتاً وجهداً.
30.خذ معك عصا تتوكأ عليه، وتحمي به نفسك من الضواري والزواحف.
31.ستقطع ما بين 4 إلى 6 كم في الساعة، وفي ليلة واحدة قد تقطع ما بين 30 إلى 45 كم.
32.التفكير في الأهل والأحبة سيستنزف طاقتك الذهنية فالبدينة، لذا استبدله بقراءة القرآن الكريم، والذكر والدعاء.
33.سيدفعك الوضع على تذكر أعز مخلوق معظم وقتك في التيه، وهذا سيبكيك، ويزيدك كمداً وحزناً، والصحيح أن معك واحد أحد، فناجه وتذكر ما أعده لك، مما طاب أكله وشربه، وتذكر رحمته ولطفه بعبادة، واجعله ونيسك، وبينك وبينه فقط أن تغمض عينيك.
34.ردد الشهادتين.
35.إن غلبك النوم فقد تشغلك كوابيس مزعجة، حاول الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم واشغل نفسك بالدعاء.
36.عند العطش والجوع الشديدين يبدأ يضعف بصرك، وتتنمل أطرافك، وترتفع حرارة جسمك، ويبدأ الصداع، وجفاف الفم، وانخفاض ضغط الدم، وبعدها قد تبدأ بالهذيان، وعدم القدرة على الوقوف فضلاً عن المشي، فتبدأ بالزحف على الأرض إن استطعت إلى ذلك سبيلا.
37.قد ينقطع صوتك فلا تستطيع الكلام إلا همساً.
38.قد ترى صوراً، وتسمع أصواتاً في عقلك الباطني، وهذا مؤشر على قرب نفاذ طاقتك فلا حول ولا قوة إلا بالله.
39.قد تدخل في غيبوبة تسبق نهايتك بساعات.
40.وإن أخذ الله أمانته، ومكثت أسابيع في مكانك، منكفئاً على وجهك، فقد تأكلك السباع، أو تدفنك الرمال، أو يتفسخ جلدك وتبقى عظامك شاهدة ماثلة لمن يبحث عنك ولو بعد حين.
41.وبنظرة تفاؤلية قد لاتصل إلى هذه المرحلة، وتصلك النجدة ويكتب لك حياة بعد ممات، عندها فقط تستشعر طعم الحياة الحقيقي، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
42.أخيراً وبعد أن نجاك الله ... خذ معك الماء والتمر وانطلق حيث شئت.
:. وفي الختام أحب أن أشير هنا إلى أن المقالة تلك تُعنى فقط بتوجيهات ونصائح عند حصول مكروه للإنسان لا قدر الله، ولضيق الوقت لم أتطرق بالتفصيل إلى كيفية إعداد العدة اللازمة للسير في الصحراء، ولا إلى فنون الملاحة في البيداء، عبر الاستدلال بالنجوم، أو المظاهر التضاريسية للأرض أو غيرها، وهناك وسائل كثيرة، وطرق عديدة، ومهارات مفيدة، وسبل مبتكرة تبقيك ـ بإذن الله ـ على قيد الحياة في مثل هذه الظروف الحرجة، يقصر الوقت عن جمعها وذكرها، فاطلع عليها في مظانها.
:. أخيراً اسأل الله الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير أن يقينا وإياكم شر التيه، والضياع، والجوع، والعطش، والرعب والخوف، وأن يُميتنا وهو راض عنا، ومرض عنا إنه سميع مجيب الدعاء.
وعلى دروب العلم نلتقي فنستقي لنرتقي.